تُعد قضايا المخدرات من أخطر القضايا الجنائية التي تُنظر أمام المحاكم السعودية، لما يترتب عليها من آثار قانونية واجتماعية خطيرة. إلا أن النظام السعودي، رغم شدّته في مكافحة المخدرات، يراعي مبدأ العدالة ويفترض براءة الإنسان حتى تثبت إدانته. ومن هنا تبرز أهمية دفوع البراءة في مثل هذه القضايا، حيث يمكن من خلالها تفنيد الاتهامات وكشف أوجه القصور في الأدلة. في هذا المقال، نستعرض أبرز الدفوع التي يُمكن أن تؤدي إلى الحكم بالبراءة، وفقًا لما تقرره الأنظمة واللوائح القضائية المعمول بها في المملكة.
أولًا: الأصل في الإنسان البراءة
قبل الدخول في التفاصيل، يجب التأكيد على قاعدة نظامية أصيلة وهي أن:
“الأصل في الإنسان البراءة، ولا يُدان إلا بدليل قطعي لا يترك مجالًا للشك”،
وهذا ما نصت عليه المادة (3) من نظام الإجراءات الجزائية:”لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص، إلا بعد ثبوت إدانته بأمر محظور شرعًا أو نظامًا، بعد محاكمة تجرى وفقًا للمقتضى الشرعي.”
انطلاقًا من هذا المبدأ، تُبنى دفوع البراءة في قضايا المخدرات في السعودية. والتي يمكن استخدامها في قضايا المخدرات بصفة عامة
ثانيًا: الدفع بانعدام الركن المادي
الركن المادي هو الفعل الجرمي نفسه، مثل الحيازة أو الترويج أو التهريب. فإذا لم يثبت وجود هذا الركن بالدليل القاطع، بُني عليه دفع قوي بالبراءة.
مثال شائع: أن يُضبط المتهم داخل مركبة لا يملكها، وتُكتشف فيها مواد يُشتبه أنها مخدرة. إذا لم يثبت أن المتهم يعلم بوجود هذه المواد أو يتحكم فيها، فإن عنصر الركن المادي يصبح محل شك.
كما أن الاكتفاء بـ الرائحة أو الاشتباه دون وجود تقرير فني من جهة مخولة يُضعف هذا الركن، ويُعد من أقوى دفوع البراءة أمام القضاء.
ثالثًا: الدفع بعدم صلاحية المادة المضبوطة
حتى لو ثبت وجود المادة، فإن عدم صلاحيتها للاستخدام يدخل ضمن الدفوع النظامية المؤثرة.
فالتجريم والعقوبة في النظام السعودي يشترطان أن تكون المادة المضبوطة “صالحة للتعاطي أو الإتجار أو الاستخدام”، وفقًا لما جاء في تعميمات قضائية عديدة أبرزها التعميم رقم (1608).
مثال قضائي: تم ضبط أوراق نباتية جافة داخل مركبة، وبعد التحليل ثبت أنها غير صالحة للتعاطي. حكمت المحكمة بالبراءة لانتفاء الغرض الجنائي. إذا كانت القضية في مرحلة التحقيقات، فمن المهم أن تعرف وتتطلع على الاعتراف في قضايا المخدرات.
رابعًا: الدفع بعدم كفاية الأدلة
من المبادئ المستقرة نظامًا أنه لا يُبنى الحكم بالإدانة على الشك أو الاستنتاج.
إذا كانت الأدلة المقدمة لا تكفي لتكوين يقين القاضي، فإن الشك يفسّر لصالح المتهم.
وهذا الدفع يُستخدم عندما:
- لا توجد بصمات أو أدلة مادية على صلة المتهم بالمادة المضبوطة
- لا يوجد شهود عدول على الواقعة
- لم يتم ضبط المتهم في حالة تلبّس مباشرة
كل ذلك يعزز دفع البراءة لعدم كفاية الأدلة وفقًا لنظام الإجراءات الجزائية.
خامسًا: الدفع بانعدام القصد الجنائي (الركن المعنوي)
القصد الجنائي عنصر جوهري في ثبوت الجريمة.
وإذا ثبت أن المتهم لم يكن يعلم بطبيعة المادة، أو تعرّض لخداع أو إكراه، انتفى هذا القصد.
أمثلة تطبيقية:
- شخص يحمل دواء أعطاه له صيدلي، وتبين لاحقًا أنه يحتوي مادة مخدرة، دون علمه.
- متهم يعاني من اضطراب ذهني أو ضعف إدراك بناءً على تقرير طبي رسمي.
- طفل لم يتجاوز سن التمييز (حسب المادة 16 من نظام الأحداث).
كل هذه الحالات تُضعف عنصر الركن المعنوي وتُعد من دفوع البراءة المؤثرة أمام القضاء.
سادسًا: الدفع بوجود سبب إباحة نظامي
بعض الأفعال التي تبدو مجرّمة قد تكون مباحة بنص نظامي صريح.
مثلًا: شركات الأدوية، الجهات الطبية، أو المستودعات المرخّصة يحق لها استيراد بعض المواد المحظورة وفق تصاريح نظامية.
مثال تطبيقي: إذا ثبت أن المادة المضبوطة كانت بحوزة جهة طبية، أو لدى شخص يعمل معها، وتم استخدامها في إطار مشروع، فذلك يُخرج الفعل من نطاق التجريم، ويُعد سببًا للبراءة.
سابعًا: حالات عملية لحكم البراءة
في إحدى القضايا الشهيرة، تم ضبط كمية صغيرة من مادة يُشتبه أنها مخدرة داخل مركبة، وأفاد المتهم أنه لا يعلم بوجودها وأنه يعمل سائقًا تابعًا لشركة.
قدم رخصة المركبة، وشهادة الشهود، وبيّن أن السيارة تُستخدم من قبل عدة سائقين.
بعد دراسة القضية، حكمت المحكمة بالبراءة لعدة أسباب:
- المركبة لا يملكها المتهم
- الشهادات أثبتت عدم سيطرته على محتواه
- المادة المضبوطة غير صالحة للاستخدام
- إنكاره المدعوم بقرائن معتبرة
هذه الأحكام تُعزز أهمية الدفوع الفنية والنظامية، خاصة في القضايا المعقدة كالمخدرات.
ثامنًا: أهمية المحامي في بناء دفوع البراءة
لا يمكن الحديث عن دفوع البراءة دون الإشارة إلى الدور المحوري الذي يقوم به المحامي المختص في القضايا الجزائية. وإذا ترغب في الوصول إلى أفضل محامي جنائي بجدة نرشح لكم مكتب المختار للمحاماة.
فهو من يستطيع:
- تحليل أركان القضية وتحويل الثغرات إلى دفوع قانونية
- الاعتماد على النصوص النظامية الصحيحة
- تقديم دفوع تفصيلية في المذكرات الدفاعية
- الترافع بمهارة لإقناع القاضي
تؤكد دفوع البراءة في قضايا المخدرات أن النظام القضائي السعودي لا يبني أحكامه إلا على يقين، ويضع معيارًا عاليًا لإثبات الجريمة. ولذلك فإن الدفاع القوي، القائم على دفوع نظامية واضحة ومدعومة بالأدلة، قد يُحدث الفارق بين الإدانة والبراءة.
المصادر
المصدر: مكتب المختار للمحاماة: أسباب البراءة في قضايا المخدرات في السعودية – elmokhtarlaw.com