في ظل التحوّل الرقمي الشامل الذي تشهده المملكة العربية السعودية، أصبح من الضروري على المنشآت التجارية والقطاعات الاقتصادية المختلفة مواكبة هذا التطور المتسارع. ومن أبرز مظاهر هذا التحوّل اعتماد نظام الفوترة الإلكترونية، الذي لم يعد مجرد خيار، بل تحوّل إلى إلزام رسمي تنظّمه هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، ويؤثر بشكل مباشر على طريقة إصدار الفواتير، وحفظها، وتبادلها بين الأطراف
الفوترة الإلكترونية هي عملية إصدار الفواتير وتوثيقها بصيغة إلكترونية منظّمة ومعتمدة، تُنفّذ بالكامل عبر أنظمة إلكترونية دون الحاجة لاستخدام الورق أو الصور الممسوحة ضوئيًا. تحتوي هذه الفواتير على نفس البيانات التقليدية، مثل تفاصيل البائع والمشتري، قيمة المبيعات، مبلغ الضريبة المضافة، والمنتجات أو الخدمات المقدّمة، لكنها تُصدر .وتُعالج وتُخزّن رقميًا، مما يوفّر مستوى عاليًا من الأمان والدقة والتنظيم
تحوّل المملكة نحو الفوترة الإلكترونية لم يأ ¸ت من فراغ، بل يعكس توجهًا وطنيًا يتماشى مع أهداف رؤية 2030، التي تركّز على التحول الرقمي في مختلف القطاعات. ويهدف هذا النظام إلى تعزيز الشفافية المالية، وتقليل التستر التجاري، وتسهيل الرقابة الضريبية، فضلً عن تحسين الامتثال للأنظمة والقوانين. كما يُمكّن الهيئة من رصد العمليات التجارية .بشكل لحظي، مما يُسرّع من إجراءات التدقيق، ويُسهم في الحد من المخالفات
وقد طبّقت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك النظام على مرحلتين رئيسيتين. المرحلة الأولى بدأت في ديسمبر 2021، وركّزت على إصدار الفواتير إلكترونيًا داخل أنظمة الشركات دون الحاجة إلى ربط مباشر مع الهيئة. أما المرحلة الثانية، التي انطلقت مطلع عام 2023، فقد استهدفت ربط أنظمة المنشآت إلكترونيًا مع أنظمة الهيئة، بحيث تُرسل .وتُعتمد الفواتير بشكل لحظي. وقد تم تطبيق هذه المرحلة تدريجيًا بناءً على حجم الإيرادات السنوية لكل منشأة
تشمل الفوترة الإلكترونية نوعين رئيسيين من الفواتير: الفاتورة الضريبية، وهي التي تُستخدم بين المنشآت الخاضعة لضريبة القيمة المضافة، وتتضمن رقم تعريف ضريبي للطرفين؛ والفاتورة المبسّطة، التي تُستخدم عادة عند التعامل مع .المستهلك النهائي، وتكون بياناتها أبسط وأقل تفصيلً
وبالنسبة للمنشآت، فإن الانتقال إلى الفوترة الإلكترونية يفرض عليها تجهيز بنيتها التقنية لتتوافق مع المتطلبات الفنية، واعتماد نظام فوترة معتمد من الهيئة، إلى جانب تدريب الموظفين وضمان سلمة البيانات وطرق حفظها. والالتزام بهذا النظام لا يُعد مجرد استيفاء للمتطلبات التنظيمية، بل يمثل أيضًا فرصة لتحسين الأداء التشغيلي، حيث تُسهم الفوترة الإلكترونية في تقليل الأخطاء الناتجة عن الإدخال اليدوي، وتسريع عمليات التحصيل والدفع، وتسهيل الأرشفة .واسترجاع البيانات عند الحاجة، مما يوفّر الوقت والجهد ويُقلّل من التكاليف التشغيلية
من جهة أخرى، يطرح أصحاب الأعمال بعض التساؤلات المتكررة حول هذا النظام. من بين هذه الأسئلة: هل يشمل النظام جميع الشركات؟ والإجابة هي نعم، إذ يُطبّق تدريجيًا على جميع المكلفين المسجّلين في ضريبة القيمة المضافة داخل المملكة. كما يُطرح سؤال حول إمكانية استخدام أي برنامج لإصدار الفواتير، وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة الاعتماد على مزوّدي خدمة معتمدين من الهيئة. أما بخصوص الاتصال بالإنترنت، فل تتطلب المرحلة الأولى اتصالًا .دائمًا، في حين أن المرحلة الثانية تستلزم وجود اتصال دائم نظرًا للربط اللحظي مع الهيئة
في الختام، تمثل الفوترة الإلكترونية نقلة نوعية في بيئة الأعمال السعودية، ليس فقط لكونها مطلبًا تنظيميًا، بل لأنها أداة استراتيجية لرفع كفاءة الأعمال وتحقيق الامتثال الكامل. والمنشآت التي تبادر إلى التهيئة المبكرة وتتبنّى هذا النظام بوعي، ستكون أكثر استعدادًا لمواجهة تحديات المستقبل، وأكثر قدرة على المنافسة في السوقَين المحلي والإقليمي